الدروع التفاعليه Era
الدروع التفاعلية Explosive Reactive Armor ERA أو ما يسمى أيضاً بالحماية الديناميكية Dynamic Protection هي من أكثر الأفكار ثورية في حماية الدبابات و الوسائط المدرعة و بخاصة الثقيلة منها و لشدة غرابة فكرة استخدام المتفجرات لحماية جسم الدبابة من التهديدات بمختلف أنواعها لم تلقى فكرة الدروع التفاعلية رواجاً بالغاً في الأوساط المسؤولة عن تقييم التقنيات العسكرية الجديدة في الإتحاد السوفييتي و هو الأمر الذي أدى إلى تأخر ظهور هذا النوع من الدروع إلى أوائل الثمانينات بالرغم من أن اختبارات لهذه الدروع قد تمت في أواخر الستينات و لعل من العوامل التي أدت إلى إرجاء استخدام هذا النوع من الدروع هو دخول دبابة الـ T-64 في نفس الفترة التي تمت بها هذه الإختبارات حيث لم يعتقد السوفييت في تلك الآونة أن دبابتهم الجديدة المتفوقة تحتاج إلى دروع إضافية لحمايتها .
إلا أن التطور الهائل الذي حصل في مجال الذخائر المضادة للدروع و ظهور أشكال مختلفة من وسائل هزيمة الدروع و تدميرها أدى بالنهاية إلى اللجوء لهذا النوع من الحماية خصوصاً و أنها مع سنين التطوير أثبتت كفاءة عالية في صد هذا النوع من الذخائر و كان ذلك في عام 1974 حيث أعاد السوفييت تنشيط مشروعهم لتطوير ما يعرف لديهم بالحماية الديناميكة .
و هنا يجدر بنا التطرق إلى نقطة أثارت الكثير من الجدل حول من كان أول مطوري الدروع التفاعلية ... هل هو الإتحاد السوفييتي أم إسرائيل ؟
أثبت تتبع تاريخ تطور الدروع التفاعلية و بالاستناد إلى العديد من الكتب و الوثائق أن السوفييت هم أول من عمل على تطوير هذه الفكرة و لفترات تعود إلى بداية الخمسينات كما بإمكاننا أن نتحدث عن شبه تزامن بظهور الفكرة في ألمانيا الغربية حيث تم البحث فيها إلا أننا لا نعلم ما كان مصير الأبحاث في هذا المجال إلا أنه بالإمكان أن نقول أن الإسرائيليين و الذين حصلوا على هذه التكنولوجيا من ألمانيا و عملوا على تطويرها كانوا أول من يدخل الدروع التفاعلية إلى ساحة القتال و تم ذلك أثناء اجتياح لبنان عام 1982 حيث استخدموا دروعهم التفاعلية و المسماة Blazerعلى دبابات مثل دبابة Magach.
العديد من الدول تقوم بتصنيع و تطوير الدروع التفاعلية منها إسرائيل كماذكرنا سابقاً و بولندا التي تصنع الدروع التفاعلية المسماة ERAWA-1 / 2 و أوكرانيا التي الدروع التفاعلية Nozh إلا أن أشهرها على الإطلاق هي الدروع التفاعلية الروسية بالإضافة إلا أنها أكثرها تطوراً و فاعلية إذ لا نرى دبابة روسية جديدة بدون هذا النوع من الدروع حتى باتت الحماية الديناميكية (كما يسميها الروس) جزء لا يتجزأ و مبدأ رئيسي من مبادئ تصميم و تصنيع الدبابات الروسية و تقسم الدروع التفاعلية الروسية إلى ثلاثة أجيال رئيسية وهي :
Kontakt-1 4 S20
Kontakt-5 4 S22
Relikt 4 S23
مبدأ تصميم الدروع التفاعلية الروسية كان بضغط كمية من المتفجرات بين صفيحتين فولاذيتين و إحاطتها بغلاف معدني رقيق بحيث تأخذ شكل العلب الصغيرة و يتم تثبيتها على جسم الدبابة في المناطق المراد حمايتها و تكون عادةً المناطق الأكثر عرضةً للهجمات و هي مقدمة البرج و سطحه و مقدمة الدبابة و جوانبها و كان مبدأ عملها على الشكل التالي :
عندما يتم إصابة العلبة من قبل ذخيرة ما ولنفترض بذخيرة من نوع HEAT تعمل الدروع التفاعلية على تبديد طاقة الشحنة المتفجرة في الذخيرة و المتمثلة في النفث الخارق التي تشكله الذخيرة لاختراق الدرع و يتم ذلك بفعل انفجار المادة المتفجرة المضغوطة بين الصفائح الفولاذية داخل الدرع التفاعلي بحيث يتم دفع الصفيحتين بفعل الإنفجار باتجاهين متعاكسين و بزاوية تشتت النفث الخارق و تضعف من قدرته على اختراق الدرع .
استطاع الجيل الأول من الدروع التفاعلية Kontakt-1 حماية الدبابات الروسية من قذائف الطاقة الكيميائية CE ammunition إلى حد كبير إلا أن ظهور ذخائر كذخائر الرؤوس الترادفية Tandem Charge و التطور الذي حصل على قذائف الطاقة الحركية APFSDS أدى إلى انخفاض قدرة الـ Kontakt-1 على تأمين حماية فعالة و حقيقية للدبابات هذا بالإضافة إلى بعض العيوب التي يتصف بها أصلاً هذا الجيل من الدروع فمثلاً كانت زاوية إلتقاء الذخيرة مع الدرع عامل أساسي في قدرة الدرع على التصدي لهذه الذخيرة إذ كانت زاوية الإلتقاء الأكثر تاثيرا على الذخيرة تتدرج من 30 – 45 درجة حيث أن الإلتقاء عند هذه الدرجة كان يسمح للدرع بتبديد ما يقارب 60-70% من قدرة ذخائر الطاقة الكيميائية على الإختراق إلا أن الدرع كان يواجه مشاكل كبيرة في أداء دوره و يخسر الكثير من فاعليته عندما كانت تقترب درجة الإلتقاء من 90 أي عند إصابة الدرع بالذخيرة بشكل عامودي أو شبه عامودي .
استخدم الجيل الأول من الدروع التفاعلية Kontakt-1 على معظم الدبابات السوفييتية و كانت كل دبابة يركب عليها الدرع التفاعلي يضاف على إسمها الحرف V للدلالة على الدروع التفاعلية و من الدبابات التي زودت بهذه الدروع T-64BV , T-72AV, T-80BV و كانت الدبابة الوحيدة التي لم يضاف على إسمها الحرف V هي الدبابة T-80U كما أن عدد القطع (العلب) كان يختلف من دبابة لأخرى فمثلاً كان عدد العلب المركبة على دبابة الـ T-72S هو 165 في حين كان يركب على دبابة الـ T-72B 227 قطعة .
و مع الحاجة إلى دروع تفاعلية أكثر تطوراً عمد الروس إلى تطوير نوع جديد من هذه الدروع أسموه Kontakt-5 و ركزوا في تصميم الدرع الجديد على أن يكون ذو قدرة أكبر على مقاومة قذائف الطاقة الحركية Kinetic Energy penetrator .
و استطاع الروس زيادة هذه القدرة عبر مجموعة من التطويرات شملت البنية العامة للدرع و آلية تثبيتها و توزيعها على الدبابة كما شملت الصفائح الداخلية المستخدمة لإعاقة الذخيرة حيث باتت أكثر سمكاً و ذلك للإستفادة من كتلة أكبر تكون مؤثرة في جسم الخارق Penetrator حيث هدف المصممون من وراء ذلك تحقيق أحد هدفين و هما إما كسر الخارق أو حرفه عن مساره و تغيير درجة ميلان إلتقائه مع سطح الدرع الأساسي للدبابة و بالتالي إضعاف قدرته على الإختراق .
كما كان الجديد في الجيل الثاني من الدروع التفاعلية الروسية تصميم أول درع تفاعلي مخصص لجوانب الدبابة side skirt.
من خصائص الدرع K-5 أيضاً زيادة مقاومته و عدم تأثره بالذخائر من عيارات مثل 7.62 و عيار 12.7 و 30 مم و هو الأمر الذي زاد من قابلية بقاء الدرع في أثناء المعركة و عدم إنفجاره إلا إذا تعرض لهجوم بذخائر ذات عيارات كبيرة نسبياً مثل قذائف الدبابات مثلاً من عيار 105 و 120 مم .
أولى الدبابات التي زودت بالجيل الثاني من الدروع التفاعلية الروسية هي دبابات الـ T-72B و دبابات الـ T-80U كما زودت دبابة الـ T-90 بالـ K-5 عند ظهورها لاحقاً في أوائل و منتصف التسعينات .
و بعد أكثر من عقد من الزمن على تطوير الـ K-5 أخرج الروس إلى العلن الجيل الثالث من الدروع التفاعلية و هو الدرع Relikt و يعتقد أن هذا الدرع التفاعلي الجديد قادر على التصدي للذخائر الغربية بمختلف أنواعها و خصوصاً قذائف الطاقة الحركية الأمريكية من نوع M829A3 و من مميزات الدرع الجديد هي المساحة التي يغطيها من جسم الدبابة حيث زادت المساحة المحمية من مقدمة البرج Front turret و مقدمة الدبابة Glacis كما أنه روعي في تصميم الدرع الجديد سهولة تثبيته على الدبابات المختلفة T-72B و T-80U و T-90 و التي تمتاز بأنها تختلف عن بعضها البعض بنوياً Structurally Different .
لماذا الجيل الثالث Relikt أكثر فاعلية ؟؟؟
الجواب التقليدي و الذي يخطر لأذهان العامة فوراً لهذا التساؤل هو استخدام متفجرات أكثر حساسية و ذلك لتقليل زمن ردة فعل الدرع التفاعلي إلا أن هذا الرأي دليل على عدم خبرة و معرفة صاحب هذا الرأي بآلية عمل هذا النوع من الدروع و ذلك يعود إلى أن الدرع التفاعلي يواجه مجموعة من التحديات في ساحة المعركة لا تقتصر على فاعليته ضد التهديدات التي تشكل خطر على الدبابة أو المدرعة المراد حمايتها بل أيضاً من أكبر التحديات التي تواجه الدرع التفاعلي هو الذخائر الأسلحة الخفيفة و المتوسطة و قدرة هذه الدروع على مقاومتها و عدم انفجارها عند التعرض لنيرانها و أي فشل في هذه الناحية تعني خسارة الدرع التفاعلي لصالح نيران لا تشكل تهديداً حقيقياً للدبابة و هذا يعني أقصى درجات الفشل للدرع و للدبابة .
و نظراً لتعقيد موضوع المتفجرات المستخدمة في الدروع التفاعلية كان البحث و لا زال مستمراً لإيجاد أفضل المعايير في المتفجرات لإستخدامها في هذا النوع من الدروع و تركز العمل على آليات السيطرة على أداء المتفجرات Explosive Sensitivity Control و دراسة المؤثرات التي تقع عليها أثناء مواجهتها للذخائر المضادة للدروع بمختلف أنواعها كما تم دراسة رد فعل المواد المتفجرة و كيفية تفاعلها مع التهديدات المختلفة .
و بالاستناد إلى دراسة نشرت في عام 2004 تبحث آليات تحفيذ المتفجرات عند إصابتها بالذخائر المضادة للدبابات و تأثيراتها على أداء الدروع التفاعلية تبين أن مجموعة من العوامل تحدد ردة فعل المواد المتفجرة أهمها كثافة الموجة الصدمية Shock Wave Intensity التي تتولد عن التماس المادي Phyiscal Contact بين الذخيرة و المادة المتفجرة و التي تتشكل على سطحها و تؤدي إلى عملية توسع و انتشار للمادة المذكورة ما يؤدي إلى تحفيزها و انفجارها كما ذهبت الدراسة إلى أن سماكة المتفجرات المستخدمة و سماكة الصفائح المستخدمة في الدرع التفاعلي و خصائص الخارق تلعب دوراً رئيسياً في كفاءة الدرع .
كما تطرقت الدراسة إلى الموجات الصدمية المتولدة عن إنفجار الدرع التفاعلي و تأثيره على قدرة الإختراق في الذخائر المضادة للدبابات و كيفية الإستفادة منها لتحقيق أكبر قدر من الحماية للوسائط المدرعة .
و هنا أود التطرق إلى بحث لفت انتباهي يعنى بوسائل التحكم بحساسية المتفجرات و كان عبارة عن آلية تحفيز مناطق محددة من مادة متفجرة تتصف بضعف الحساسية نسبياً عبر تسخينها بحيث تقوم عملية التسخين بعملية تحفيز مستمر للمواد المتفجرة لتشكل نقاط اشتعال للمتفجرات Ignition Point بحيث تتصف بردة فعل سريعة على الذخائر المضادة للدروع بمختلف أنواعها و بنفس الوقت لا تكون قابلة للإنفجار من قبل الذخائر التي لا تشكل خطراً حقيقياً على الدبابة المراد حمايتها .
و يتم تسخين المواد المتفجرة عبر شبكة من الأسلاك متصلة بموصلات حرارية مركبة على نقاط محددة من المتفجرات بحيث يتم تسخين أجزاء محددة دون أخرى و اقترحت الدراسة أن تدرج حراري من 70-150 درجة سيليزية كفيلة بأداء المهمة في المواد المتفجرة التي تستخدم في الدروع التفاعلية .
و مما سبق نرى أن دراسة المتفجرات المستخدمة في الدروع التفاعلية هي مسألة معقدة تتطلب الكثير من الوقت و الشرح و تبسيط الأمر و جعله يقتصر على زيادة حساسية المادة المتفجرة أمر بعيد عن المنطق العلمي .
و على هذا الأساس عمل الروس على تطوير مادة متفجرة جديدة تحقق الهدف المرجو منها و هو أفضل أداء في مواجهة الذخائر المضادة للدبابات و تتكون هذه المادة المتفجرة الجديدة بشكل أساسي من متفجرات الهيكسوجين أو ما يسمى إصطلاحياً بـ (RDX) و هي مواد شديدة الإنفجار تستخدم في صناعة المتفجرات البلاستيكية Plastic Explosives و تتميز هذه المادة بأنها تجمع بين القدر المناسب من الحساسية بحيث تكون غير مفرطة و هو الأمر الذي يمنع تحفيزها و انفجارها عند إصابتها بمقذوفات من عيار صغير أو متوسط بالإضافة إلى ردة الفعل السريعة بحيث تبلغ سرعة الإشتعال Velocity of Detonation لهذه المادة 8750 م/ثا و هي من الأسرع على الإطلاق بين المتفجرات و هو الأمر الذي سيكون ذو تأثير كبير عند تعرض المادة المتفجرة للذخائر المضادة للدبابات كما يدخل في تركيب المتفجرات مسحوق الألومنيوم و المطاط و مواد أخرى بنسبة تبلغ حوالي 13 % .
من التعديلات الإضافية في الجيل الجديد من الدروع التفاعلية الروسية استخدام مادتين مختلفتين في الصفائح الموجودة في الدرع التفاعلي بحيث يكون معدن إحداهما أقل كثافة من معدن الأخرى إذ أثبتت التجارب أن استخدام معدنين مختلفين بالكثافة مثل الألمنيوم و الفولاذ مثلاً يؤدي إلى إضعاف قدرة الذخائر المضادة للدبابات على الإختراق بنسب تزيد عن 15% .
حماية الوسائط متوسطة و خفيفة التدريع :
شكل استخدام الدروع التفاعلية على الآليات المتوسطة و خفيفة التدريع مشكلة و ذلك بسبب التدريع الخفيف لهذه الآليات حيث أنه كان لإنفجار الدروع التفاعلية آثار سلبية على الدرع منها حصول تشوهات و كسور في لحام الوصلات الأمر الذي حال دون استخدام هذا النوع من الدروع على آليات تتصف بالتدريع الخفيف نسبياً مثل ناقلات الجند المدرعة APC .
و لتفادي هذه المشكلة طور الروس نوع جديد من الدروع التفاعلية ليستخدم على العربات المذكورة أعلاه و اعتمدوا فيه على طبقات من الفلين الخاص عالي الكثافة أو ما يسمى بالبوليريثالين بحيث يخفف من تأثير إنفجار الدرع التفاعلي على سطح العربة المراد حمايتها و بنفس الوقت لمادة الفلين دور في تخفيف سرعة الذخائر و بالتالي التخفيض من قدرتها على إختراق الدرع الأساسي .
كما طور الإسرائيليين نوعاً آخر من الدروع التفاعلية لإستخدامها على الوسائط الخفيفة و متوسطة التدريع أسموه I-ERA و تعتمد هذه الدروع على تكنولوجيا أمريكية جديدة بالمتفجرات تسمى Low Burn Rate Explosive LBR حيث تقوم المتفجرات الجديدة بعملية إحتراق تدريجي بطيء نسبياً مقارنة مع أنواع المتفجرات المستخدمة في الدروع التفاعلية الأمر الذي يقلل من الآثار العنيفة التي يولدها إنفجار الدروع التفاعلية كما يخفف من درجة الحرارة المنبعثة من المتفجرات و لإستخدام هذا النوع من المتفجرات فوائد إضافية أخرى منها درجة أمان أعلى للمشاة القريبين من الدروع اثناء إنفجارها إلا أن لهذه الدروع سلبيات ايضاً من أهمها عدم توفيره لنفس درجة الحماية التي توفرها الدروع التفاعلية التقليدية .
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
الدروع التفاعلية Explosive Reactive Armor ERA أو ما يسمى أيضاً بالحماية الديناميكية Dynamic Protection هي من أكثر الأفكار ثورية في حماية الدبابات و الوسائط المدرعة و بخاصة الثقيلة منها و لشدة غرابة فكرة استخدام المتفجرات لحماية جسم الدبابة من التهديدات بمختلف أنواعها لم تلقى فكرة الدروع التفاعلية رواجاً بالغاً في الأوساط المسؤولة عن تقييم التقنيات العسكرية الجديدة في الإتحاد السوفييتي و هو الأمر الذي أدى إلى تأخر ظهور هذا النوع من الدروع إلى أوائل الثمانينات بالرغم من أن اختبارات لهذه الدروع قد تمت في أواخر الستينات و لعل من العوامل التي أدت إلى إرجاء استخدام هذا النوع من الدروع هو دخول دبابة الـ T-64 في نفس الفترة التي تمت بها هذه الإختبارات حيث لم يعتقد السوفييت في تلك الآونة أن دبابتهم الجديدة المتفوقة تحتاج إلى دروع إضافية لحمايتها .
إلا أن التطور الهائل الذي حصل في مجال الذخائر المضادة للدروع و ظهور أشكال مختلفة من وسائل هزيمة الدروع و تدميرها أدى بالنهاية إلى اللجوء لهذا النوع من الحماية خصوصاً و أنها مع سنين التطوير أثبتت كفاءة عالية في صد هذا النوع من الذخائر و كان ذلك في عام 1974 حيث أعاد السوفييت تنشيط مشروعهم لتطوير ما يعرف لديهم بالحماية الديناميكة .
و هنا يجدر بنا التطرق إلى نقطة أثارت الكثير من الجدل حول من كان أول مطوري الدروع التفاعلية ... هل هو الإتحاد السوفييتي أم إسرائيل ؟
أثبت تتبع تاريخ تطور الدروع التفاعلية و بالاستناد إلى العديد من الكتب و الوثائق أن السوفييت هم أول من عمل على تطوير هذه الفكرة و لفترات تعود إلى بداية الخمسينات كما بإمكاننا أن نتحدث عن شبه تزامن بظهور الفكرة في ألمانيا الغربية حيث تم البحث فيها إلا أننا لا نعلم ما كان مصير الأبحاث في هذا المجال إلا أنه بالإمكان أن نقول أن الإسرائيليين و الذين حصلوا على هذه التكنولوجيا من ألمانيا و عملوا على تطويرها كانوا أول من يدخل الدروع التفاعلية إلى ساحة القتال و تم ذلك أثناء اجتياح لبنان عام 1982 حيث استخدموا دروعهم التفاعلية و المسماة Blazerعلى دبابات مثل دبابة Magach.
العديد من الدول تقوم بتصنيع و تطوير الدروع التفاعلية منها إسرائيل كماذكرنا سابقاً و بولندا التي تصنع الدروع التفاعلية المسماة ERAWA-1 / 2 و أوكرانيا التي الدروع التفاعلية Nozh إلا أن أشهرها على الإطلاق هي الدروع التفاعلية الروسية بالإضافة إلا أنها أكثرها تطوراً و فاعلية إذ لا نرى دبابة روسية جديدة بدون هذا النوع من الدروع حتى باتت الحماية الديناميكية (كما يسميها الروس) جزء لا يتجزأ و مبدأ رئيسي من مبادئ تصميم و تصنيع الدبابات الروسية و تقسم الدروع التفاعلية الروسية إلى ثلاثة أجيال رئيسية وهي :
Kontakt-1 4 S20
Kontakt-5 4 S22
Relikt 4 S23
مبدأ تصميم الدروع التفاعلية الروسية كان بضغط كمية من المتفجرات بين صفيحتين فولاذيتين و إحاطتها بغلاف معدني رقيق بحيث تأخذ شكل العلب الصغيرة و يتم تثبيتها على جسم الدبابة في المناطق المراد حمايتها و تكون عادةً المناطق الأكثر عرضةً للهجمات و هي مقدمة البرج و سطحه و مقدمة الدبابة و جوانبها و كان مبدأ عملها على الشكل التالي :
عندما يتم إصابة العلبة من قبل ذخيرة ما ولنفترض بذخيرة من نوع HEAT تعمل الدروع التفاعلية على تبديد طاقة الشحنة المتفجرة في الذخيرة و المتمثلة في النفث الخارق التي تشكله الذخيرة لاختراق الدرع و يتم ذلك بفعل انفجار المادة المتفجرة المضغوطة بين الصفائح الفولاذية داخل الدرع التفاعلي بحيث يتم دفع الصفيحتين بفعل الإنفجار باتجاهين متعاكسين و بزاوية تشتت النفث الخارق و تضعف من قدرته على اختراق الدرع .
استطاع الجيل الأول من الدروع التفاعلية Kontakt-1 حماية الدبابات الروسية من قذائف الطاقة الكيميائية CE ammunition إلى حد كبير إلا أن ظهور ذخائر كذخائر الرؤوس الترادفية Tandem Charge و التطور الذي حصل على قذائف الطاقة الحركية APFSDS أدى إلى انخفاض قدرة الـ Kontakt-1 على تأمين حماية فعالة و حقيقية للدبابات هذا بالإضافة إلى بعض العيوب التي يتصف بها أصلاً هذا الجيل من الدروع فمثلاً كانت زاوية إلتقاء الذخيرة مع الدرع عامل أساسي في قدرة الدرع على التصدي لهذه الذخيرة إذ كانت زاوية الإلتقاء الأكثر تاثيرا على الذخيرة تتدرج من 30 – 45 درجة حيث أن الإلتقاء عند هذه الدرجة كان يسمح للدرع بتبديد ما يقارب 60-70% من قدرة ذخائر الطاقة الكيميائية على الإختراق إلا أن الدرع كان يواجه مشاكل كبيرة في أداء دوره و يخسر الكثير من فاعليته عندما كانت تقترب درجة الإلتقاء من 90 أي عند إصابة الدرع بالذخيرة بشكل عامودي أو شبه عامودي .
استخدم الجيل الأول من الدروع التفاعلية Kontakt-1 على معظم الدبابات السوفييتية و كانت كل دبابة يركب عليها الدرع التفاعلي يضاف على إسمها الحرف V للدلالة على الدروع التفاعلية و من الدبابات التي زودت بهذه الدروع T-64BV , T-72AV, T-80BV و كانت الدبابة الوحيدة التي لم يضاف على إسمها الحرف V هي الدبابة T-80U كما أن عدد القطع (العلب) كان يختلف من دبابة لأخرى فمثلاً كان عدد العلب المركبة على دبابة الـ T-72S هو 165 في حين كان يركب على دبابة الـ T-72B 227 قطعة .
و مع الحاجة إلى دروع تفاعلية أكثر تطوراً عمد الروس إلى تطوير نوع جديد من هذه الدروع أسموه Kontakt-5 و ركزوا في تصميم الدرع الجديد على أن يكون ذو قدرة أكبر على مقاومة قذائف الطاقة الحركية Kinetic Energy penetrator .
و استطاع الروس زيادة هذه القدرة عبر مجموعة من التطويرات شملت البنية العامة للدرع و آلية تثبيتها و توزيعها على الدبابة كما شملت الصفائح الداخلية المستخدمة لإعاقة الذخيرة حيث باتت أكثر سمكاً و ذلك للإستفادة من كتلة أكبر تكون مؤثرة في جسم الخارق Penetrator حيث هدف المصممون من وراء ذلك تحقيق أحد هدفين و هما إما كسر الخارق أو حرفه عن مساره و تغيير درجة ميلان إلتقائه مع سطح الدرع الأساسي للدبابة و بالتالي إضعاف قدرته على الإختراق .
كما كان الجديد في الجيل الثاني من الدروع التفاعلية الروسية تصميم أول درع تفاعلي مخصص لجوانب الدبابة side skirt.
من خصائص الدرع K-5 أيضاً زيادة مقاومته و عدم تأثره بالذخائر من عيارات مثل 7.62 و عيار 12.7 و 30 مم و هو الأمر الذي زاد من قابلية بقاء الدرع في أثناء المعركة و عدم إنفجاره إلا إذا تعرض لهجوم بذخائر ذات عيارات كبيرة نسبياً مثل قذائف الدبابات مثلاً من عيار 105 و 120 مم .
أولى الدبابات التي زودت بالجيل الثاني من الدروع التفاعلية الروسية هي دبابات الـ T-72B و دبابات الـ T-80U كما زودت دبابة الـ T-90 بالـ K-5 عند ظهورها لاحقاً في أوائل و منتصف التسعينات .
و بعد أكثر من عقد من الزمن على تطوير الـ K-5 أخرج الروس إلى العلن الجيل الثالث من الدروع التفاعلية و هو الدرع Relikt و يعتقد أن هذا الدرع التفاعلي الجديد قادر على التصدي للذخائر الغربية بمختلف أنواعها و خصوصاً قذائف الطاقة الحركية الأمريكية من نوع M829A3 و من مميزات الدرع الجديد هي المساحة التي يغطيها من جسم الدبابة حيث زادت المساحة المحمية من مقدمة البرج Front turret و مقدمة الدبابة Glacis كما أنه روعي في تصميم الدرع الجديد سهولة تثبيته على الدبابات المختلفة T-72B و T-80U و T-90 و التي تمتاز بأنها تختلف عن بعضها البعض بنوياً Structurally Different .
لماذا الجيل الثالث Relikt أكثر فاعلية ؟؟؟
الجواب التقليدي و الذي يخطر لأذهان العامة فوراً لهذا التساؤل هو استخدام متفجرات أكثر حساسية و ذلك لتقليل زمن ردة فعل الدرع التفاعلي إلا أن هذا الرأي دليل على عدم خبرة و معرفة صاحب هذا الرأي بآلية عمل هذا النوع من الدروع و ذلك يعود إلى أن الدرع التفاعلي يواجه مجموعة من التحديات في ساحة المعركة لا تقتصر على فاعليته ضد التهديدات التي تشكل خطر على الدبابة أو المدرعة المراد حمايتها بل أيضاً من أكبر التحديات التي تواجه الدرع التفاعلي هو الذخائر الأسلحة الخفيفة و المتوسطة و قدرة هذه الدروع على مقاومتها و عدم انفجارها عند التعرض لنيرانها و أي فشل في هذه الناحية تعني خسارة الدرع التفاعلي لصالح نيران لا تشكل تهديداً حقيقياً للدبابة و هذا يعني أقصى درجات الفشل للدرع و للدبابة .
و نظراً لتعقيد موضوع المتفجرات المستخدمة في الدروع التفاعلية كان البحث و لا زال مستمراً لإيجاد أفضل المعايير في المتفجرات لإستخدامها في هذا النوع من الدروع و تركز العمل على آليات السيطرة على أداء المتفجرات Explosive Sensitivity Control و دراسة المؤثرات التي تقع عليها أثناء مواجهتها للذخائر المضادة للدروع بمختلف أنواعها كما تم دراسة رد فعل المواد المتفجرة و كيفية تفاعلها مع التهديدات المختلفة .
و بالاستناد إلى دراسة نشرت في عام 2004 تبحث آليات تحفيذ المتفجرات عند إصابتها بالذخائر المضادة للدبابات و تأثيراتها على أداء الدروع التفاعلية تبين أن مجموعة من العوامل تحدد ردة فعل المواد المتفجرة أهمها كثافة الموجة الصدمية Shock Wave Intensity التي تتولد عن التماس المادي Phyiscal Contact بين الذخيرة و المادة المتفجرة و التي تتشكل على سطحها و تؤدي إلى عملية توسع و انتشار للمادة المذكورة ما يؤدي إلى تحفيزها و انفجارها كما ذهبت الدراسة إلى أن سماكة المتفجرات المستخدمة و سماكة الصفائح المستخدمة في الدرع التفاعلي و خصائص الخارق تلعب دوراً رئيسياً في كفاءة الدرع .
كما تطرقت الدراسة إلى الموجات الصدمية المتولدة عن إنفجار الدرع التفاعلي و تأثيره على قدرة الإختراق في الذخائر المضادة للدبابات و كيفية الإستفادة منها لتحقيق أكبر قدر من الحماية للوسائط المدرعة .
و هنا أود التطرق إلى بحث لفت انتباهي يعنى بوسائل التحكم بحساسية المتفجرات و كان عبارة عن آلية تحفيز مناطق محددة من مادة متفجرة تتصف بضعف الحساسية نسبياً عبر تسخينها بحيث تقوم عملية التسخين بعملية تحفيز مستمر للمواد المتفجرة لتشكل نقاط اشتعال للمتفجرات Ignition Point بحيث تتصف بردة فعل سريعة على الذخائر المضادة للدروع بمختلف أنواعها و بنفس الوقت لا تكون قابلة للإنفجار من قبل الذخائر التي لا تشكل خطراً حقيقياً على الدبابة المراد حمايتها .
و يتم تسخين المواد المتفجرة عبر شبكة من الأسلاك متصلة بموصلات حرارية مركبة على نقاط محددة من المتفجرات بحيث يتم تسخين أجزاء محددة دون أخرى و اقترحت الدراسة أن تدرج حراري من 70-150 درجة سيليزية كفيلة بأداء المهمة في المواد المتفجرة التي تستخدم في الدروع التفاعلية .
و مما سبق نرى أن دراسة المتفجرات المستخدمة في الدروع التفاعلية هي مسألة معقدة تتطلب الكثير من الوقت و الشرح و تبسيط الأمر و جعله يقتصر على زيادة حساسية المادة المتفجرة أمر بعيد عن المنطق العلمي .
و على هذا الأساس عمل الروس على تطوير مادة متفجرة جديدة تحقق الهدف المرجو منها و هو أفضل أداء في مواجهة الذخائر المضادة للدبابات و تتكون هذه المادة المتفجرة الجديدة بشكل أساسي من متفجرات الهيكسوجين أو ما يسمى إصطلاحياً بـ (RDX) و هي مواد شديدة الإنفجار تستخدم في صناعة المتفجرات البلاستيكية Plastic Explosives و تتميز هذه المادة بأنها تجمع بين القدر المناسب من الحساسية بحيث تكون غير مفرطة و هو الأمر الذي يمنع تحفيزها و انفجارها عند إصابتها بمقذوفات من عيار صغير أو متوسط بالإضافة إلى ردة الفعل السريعة بحيث تبلغ سرعة الإشتعال Velocity of Detonation لهذه المادة 8750 م/ثا و هي من الأسرع على الإطلاق بين المتفجرات و هو الأمر الذي سيكون ذو تأثير كبير عند تعرض المادة المتفجرة للذخائر المضادة للدبابات كما يدخل في تركيب المتفجرات مسحوق الألومنيوم و المطاط و مواد أخرى بنسبة تبلغ حوالي 13 % .
من التعديلات الإضافية في الجيل الجديد من الدروع التفاعلية الروسية استخدام مادتين مختلفتين في الصفائح الموجودة في الدرع التفاعلي بحيث يكون معدن إحداهما أقل كثافة من معدن الأخرى إذ أثبتت التجارب أن استخدام معدنين مختلفين بالكثافة مثل الألمنيوم و الفولاذ مثلاً يؤدي إلى إضعاف قدرة الذخائر المضادة للدبابات على الإختراق بنسب تزيد عن 15% .
حماية الوسائط متوسطة و خفيفة التدريع :
شكل استخدام الدروع التفاعلية على الآليات المتوسطة و خفيفة التدريع مشكلة و ذلك بسبب التدريع الخفيف لهذه الآليات حيث أنه كان لإنفجار الدروع التفاعلية آثار سلبية على الدرع منها حصول تشوهات و كسور في لحام الوصلات الأمر الذي حال دون استخدام هذا النوع من الدروع على آليات تتصف بالتدريع الخفيف نسبياً مثل ناقلات الجند المدرعة APC .
و لتفادي هذه المشكلة طور الروس نوع جديد من الدروع التفاعلية ليستخدم على العربات المذكورة أعلاه و اعتمدوا فيه على طبقات من الفلين الخاص عالي الكثافة أو ما يسمى بالبوليريثالين بحيث يخفف من تأثير إنفجار الدرع التفاعلي على سطح العربة المراد حمايتها و بنفس الوقت لمادة الفلين دور في تخفيف سرعة الذخائر و بالتالي التخفيض من قدرتها على إختراق الدرع الأساسي .
كما طور الإسرائيليين نوعاً آخر من الدروع التفاعلية لإستخدامها على الوسائط الخفيفة و متوسطة التدريع أسموه I-ERA و تعتمد هذه الدروع على تكنولوجيا أمريكية جديدة بالمتفجرات تسمى Low Burn Rate Explosive LBR حيث تقوم المتفجرات الجديدة بعملية إحتراق تدريجي بطيء نسبياً مقارنة مع أنواع المتفجرات المستخدمة في الدروع التفاعلية الأمر الذي يقلل من الآثار العنيفة التي يولدها إنفجار الدروع التفاعلية كما يخفف من درجة الحرارة المنبعثة من المتفجرات و لإستخدام هذا النوع من المتفجرات فوائد إضافية أخرى منها درجة أمان أعلى للمشاة القريبين من الدروع اثناء إنفجارها إلا أن لهذه الدروع سلبيات ايضاً من أهمها عدم توفيره لنفس درجة الحماية التي توفرها الدروع التفاعلية التقليدية .
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]